بتتعب فيه إمه ٩ شهور وبتتحمل آلام الحمل والولادة وأول كلمة بيقولا هيي "بابا".
يبدأ نكران الجميل منذ السنة الأولى في حياة الطّفل، ويفرح الأب بحصاد لم يتحمّل في زراعته ألمًا يُذكر "حتى الآن".
هو ما نعبّر عنه بسخرية القدر، وما يعبّر عنه علم اللغة والتواصل بظاهرة المناغاة.
والمناغاة هي واحدة من الخطوات المهمّة في التطوّر اللغوي لدى الطّفل. يقوم خلالها بتكرار مقاطع صوتية بسيطة "با با با" تتأثر تدريجيًّا بخصائص اللغة الأم المحكيّة في محيطه وبسماتها المقطعية تمهيدًا لإصدار الكلمات الأولى.
مع بداية الأسبوع الواحد والعشرين من الحمل، يتكوّن الجهاز السّمعي لدى الجنين ويبدأ بتلقّي أصوات الكلام وتحليلها.
وعند ولادته يواصل عمله بدقّة وجدّية أكبر حيث يتلقّى الأصوات والكلمات وهو ما يعبّر عنه بالـ input اللغوي (أي المعلومات اللغوية الدّاخلة) ويبدأ بالتحليل والتسجيل وكل ذلك بهدف التخصص بالنظام الصوتي للغته الأمّ.
وعلى عمر ال ٧ أشهر تقريبا (تختلف المعايير من طفل لآخر) يبدأ الطفل بإصدار المقاطع اللغوية الأولى "با.. با.. با..".
واختياره لهذا الصوت ليس صدفة، ولا مقدمة لعمر من الشقاوة ونكران الجميل. بل لإن صوت الـ "ب" هو أسهل الأصوات لفظًا. هو ببساطة، يلفظ عبر خطواتٍ ثلاث :
بدايةً، نطبق الشفتين ونحبس الهواء
ثم تقوم الأوتار الصوتية بالارتجاج
بعد ذلك، نفتح الشفتين لإخراج الهواء والموجات الصوتية فينتج لدينا صوت ال "ب".
إذًا فهو الصوت ذو التقنية الأسهل والأوضح، يصدره الطّفل محضّرًا نفسه ومَن حوله لإخراج الكلمات الأولى، فيفرح "بابا" ويهلّل.
وفي المرتبة الثانية، يأتي صوت الـ "م" ليزيد في آلية إصداره خطوة على آلية إصدار الـ "ب". تتلخّص هذه الخطوة بإخراج جزء بسيط من الهواء عن طريق الأنف لينتج صوت الـ "م".
فيحدث بسبب سهولة لفظ هذين الصّوتين أن أول كلمتين يتلفظ بهما الطفل هما الكلمتان الأسهل تكوينًا ولفظًا، بابا وماما.
ولذلك كانت الكلمات الدّالة على الأم والأب في معظم اللغات، تحتوي على الصوتين الأسهل لفظًا على الطفل: بابا وماما بالعربية،papaو maman بالفرنسية، pare و mare بالكاتالانية، ba و mama بالصينية، وهكذا.
ويبقى الآباء حول العالم يهلّلون لظاهرة طبيعية بيولوجية يقوم بها الطفل دون قصد وتصميم، وتبتسم لها الأمهات متفانيات، فلا يهمّ ما هي الكلمة الأولى التي قالها، كلّ ما يهم هو "يقبرني بلّش يحكي".
يمكنك مشاركة هذا المنشور!