هل جربتم مرة أن تسألوا طفلًا منهمكًا باللعب عمّا يفعله؟ إن كان جوابكم "نعم"، فبالتأكيد سمعتم منه تلك الإجابة البسيطة "إنني ألعب"، وذلك دون أن يكلّف نفسه عناء النّظر إليكم.
نعم، فإنّ هذه الإجابة هي أسهل علينا بكثير من أن يقول لنا مثلًا: "إنني في هذا الوقت، أتعلم وأطوّر ذكائي، أمرّن عضلات يديّ الصغيرتين وأحفّز دماغي على التنسيق بين حركات يديّ فيما بينها من جهة وبين هذه الحركات ونظري من جهة أخرى.
ليس هذا فحسب، فأنا في هذا الوقت الذي تقوم فيه بإزعاجي، أدرّب قدراتي المنطقية وأُعمل وظائفي الذّهنية. بل أكثر من ذلك، هذا اللعب يزيد من قدرتي على فهم رمزية الأشياء، وبالتالي يساعدني في تطوير لغتي محكيّةً كانت أو مكتوبة. كما يُغني مخزون المفردات لدي. ويساعدني في تنمية مشاعري والتعبير عنها، كما يزيد من قدرتي على فهم وجهة نظر الآخرين والإحساس بهم والتعاطف معهم. ليس هذا فحسب،..."
يشكّل اللعب المركز الأساسي لعالم الطّفل، واللغة الطبيعية التي يعبّر من خلالها. فكما يقول الدّكتور جان شاتو المختصّ بالعلوم التربويّة وعلم النفس "إنّ اللعب هو عمل الطفل". وذلك بكلّ ما للعمل الحقيقي من عائدات حياتية على الفرد. وبنظر الدكتور شاتو "إنّ الطّفل الذي لا يلعب هو (في المستقبل) رجلٌ لا يفكّر".
إذًا، فإنّ تأمين بيئة مناسبة للّعب هي حقّ أساسي من حقوق أطفالنا لا يقلّ أهمّيّة عن حقهم في الغذاء والتعليم والمسكن.
يختلف اللّعب من طفل لآخر ومن فئة عمرية لأخرى ومهما كانت المواد التي يستخدمها طفلك في اللعب فهي بالتأكيد تحقق لنموّه وتطوّره غايات وأهدافًا كثيرة. فـ"الطفل لا يلعب كي يتعلّم، إنّما يتعلّم لأنّه يلعب". (شيلر)
وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللعب البنّاء والضروري الذي نتكلّم عنه ليس البتّة ذلك اللّعب باستخدام الألواح الذكيّة كالآيباد وغيره. بالعكس، فيمكنني دون الغوص في فوائد ومضارّ الآيباد على نموّ الطفل، أن أقول بأن هذه الألواح هي بلا شكّ تحرم الطّفل من أغلب الفوائد التي ذكرناها أعلاه إذا لم نقل من كلّها.
وللاستعاضة عن هذه الألواح وجنونها، أقدّم إليكم بعض الألعاب البسيطة والرّخيصة الثمن التي يمكن أن تحقق لأطفالكم الفوائد الكبيرة على مختلف الأصعدة:
- 1-الكتب المصوّرة والقصص : لا يهم عمر الطفل ومستوى الفهم لديه، فللكتاب وصوره ونغمة لغته الآثار الكبيرة دائمًا.
- 2-الحيوانات البلاستيكية : يمكن للطفل الاستفادة منها في اللعب الرمزي وخلق السيناريوهات، كذلك بتقليد أصواتها وتسميتها،..
- 3-فقاعات الصّابون : إضافة إلى المتعة التي يولدها نفخ الفقاعات حتى في نفوس للكبار، فإن هذه اللعبة تحفّز كل أساسيات التواصل لدى الأطفال (كالانتباه المشترك والملاحقة البصرية والطلب،..). كما أنّها تساعد في تمرين عضلات الوجه (من خلال نفخ الفقاعات)، وبالتالي في لفظ الحروف بطريقة صحيحة. أيضًا، تحث هذه اللعبة البسيطة على تنسيق الحركات لفقع الفقاعات وملاحقتها...
- 4-أدوات المطبخ (وهي ليست "ألعاب البنات") وغيرها من الألعاب التي تساعد على التقليد ثم على اللعب الرمزي وخلق السيناريوهات كأدوات الطبيب وباقي المهن، السيارات، الدمى والشخصيات، وغيرها الكثير.
- 5-مكعّبات التركيب : إضافة إلى تحفيز القدرات النفس-حركية (كتنسيق عمل عضلات اليدين)، فهي تُعمِل الخيال بشكل كبير حيث يفاجئنا الأطفال بالتسميات والتخيّلات التي يخلقونها لتحفهم الفنيّة.
- 6-الآلات الموسيقية : يمكن أن يكون لها دور كبير في تحفيز الوظائف السمعية من انتباه وتحديد وذاكرة وتمييز ولهذه الوظائف دور أساسي في نموّ وتطوّر اللّغة المحكيّة كما المكتوبة لدى الطفل.
وفي النّهاية، لا ننسى أنّ لكل لعبة - مهما كانت - القدرة على أن تحفّز في أطفالنا ما لا نراه.
جرّبوا مثلًا أن تقدّموا لأطفالكم علبة مليئة بأغطية القناني البلاستيكية، أو بعلب الحليب الفارغة،... وسيفاجئونكم بالألعاب التي سيخترعونها منها. فلكل غرض بين يدي طفل، استعمال يحركه الإبداع ويلونه الخيال. ولا حدود لإبداع الأطفال وخيالهم.
يمكنك مشاركة هذا المنشور!