من معجزات الدماغ - البقرة بتشرب حليب

منذ 3سنوات 7,387 مشاهدة دماغ وعلم أعصاب
 
 
  • شو لون التلج؟
  • أبيض
  • شو بتشرب البقرة؟
  • ... حليب!!

لا شكّ بأن أكثرنا، إمّا كان ضحيّة هذا النوع من الحزازير أو كان هو من أطلقها. ففي الحقيقة، "البقرة بتشرب مي"...

تختصر هذه الحزّورة إحدى أهم وظائف الدّماغ وهي الذّاكرة. للذاكرة وظائف عدّة، فمنها ما يحفظ الأحداث ومنها ما يحفظ الآليّات ومنها ما يحفظ المعلومات الموضوعية والحقائق التي لا تختلف بين شخص وآخر كلون الثلج مثلًا. فكيف تقوم بذلك؟

في السّابق، كان العلماء يتخيّلون مخزون المعاني في دماغ الإنسان كما لو أنه خزانة بعدّة رفوف. في كلّ رفٍّ منها، يوجد حقلٌ معجميٌّ معيّن. فنجد مثلًا رفًّا للفاكهة وآخر للحيوانات وآخر لوسائل النّقل وهكذا...

ولكن، ومع تقدّم الأبحاث والدّراسات، لم يعد الأمر بهذه البساطة. وأصبحت الذّاكرة أشبه بشبكة عنكبوتيّة شديدة التّعقيد. ويمكننا أن نشبّهها بشبكات الكهرباء، حيث ترى شريطًا معيّنًا لا تعلم من أين جاء ولا إلى أين ينتهي.

في الواقع، إنّ كل كلمة جديدة يخزّنها دماغك، لا تلبث إلّا أن تنشئ حولها شبكة واسعة من العلاقات تسمّى بالشّبكة المعنوية. ولكَ أن تتخيّل عدد الشبكات المعنويّة في دماغك ودرجة تداخلها.

عمليًّا، وبما أنّ الدّماغ عبارة عن وصلات وتيّارات كهربائيّة، فإنّ تفعيل كلمة معيّنة ستقوم بتفعيل جميع الكلمات الموصولة بها.

لنأخذ كلمة "ثلج" على سبيل المثال. مجرّد تحفيز هذه الكلمة من خلال لفظها أو حتّى سماعها، سيشغّل في مخزون المفردات لديك الكلمات التّالية : أبيض، جبل، أرز، شتاء، برد، قفازات، رجل الثّلج،... ويختلف عدد الكلمات ومستوى تحفيزها حسب التّجارب الشّخصيّة لكلّ فرد. وهنا يتّضح تفسير حزّورتنا:

بمجرّد سماعك لكلمة "ثلج" قام دماغك بتحفيز كلمة "أبيض" وكلّ أسماء الأشياء التي لونها أبيض ومنها "الحليب"... ثمّ جاءت كلمة "بتشرب" لتحفّز كلمة "الحليب" مرّة أخرى ومعه باقي المشروبات كالمياه. وبعدها، أتت كلمة "البقرة" لتحسم الأمر لارتباطها هي أيضًا بـ"الحليب" فأصبحت كلمة "الحليب"، مع ثلاث إشارات تحفيزيّة على الأقل، هي الأكثر جهوزيّة للظهور على سطح الوعي فتنطقها قبل أن تفكّر.

وتكمن المعجزة في أنّه ومع إمكانيّة حدوث هذا النوع من الأخطاء، إلّا أن للإنسان القدرة على النطق بآلاف الكلمات دون خطأ واحد. وذلك مع العلم بعدد الكلمات التي تضيء في رأسه وهو ينتقل مع كل كلمة يقولها بين الآلاف من الشّبكات المعنويّة. أفلا يُعدّ هذا معجزة من المعجزات المخفيّة عن تأمّلنا، والتي لا نملك أمامها سوى أن نردّد : أتحسب أنّك جرمٌ صغير وفي "دماغك" انطوى العالم الأكبرُ..

 
 
كاتب التدوينة : آلاء غندور - معالجة نطق ولغة

يمكنك مشاركة هذا المنشور!